-
عن مصير اللاجئين وغياب شروط العودة "الطوعية"
ستُعِيدُ تركيا مليون ونصف لاجئ سوري إلى المناطق التي تسيطر عليها في سوريا: عفرين، إعزاز، جرابلس، الباب، تل أبيض، رأس العين، وسواها. هكذا صرّح أردوغان؛ الرجل لديه انتخابات في العام القادم، ولا بد من تصفير المشكلات إقليمياً، وضرورة سحب حجج المعارضة عن استقبال اللاجئين التي أضرّت بحقوق الأتراك، حسب زعمها.
لم يسقط نظام دمشق، ولا عملت الحكومة التركية على تمكين حلفائها من الإخوان في استلام السلطة في المناطق أعلاه، أو إدلب بشكل كاملٍ، ولكن ورقة اللاجئين ضاغطة عليه من المعارضة، وهناك ضغوط من دول عربية، تريد لأردوغان التطبيع مع الخليج ومصر، وبالتالي لا بد من التضحية بالمعارضات الإسلامية على الأراضي التركية وباللاجئين أيضاً، لم يكن هناك مشكلة لو تمّت التضحية بتلك المعارضة، التي أصبحت تابعة وفاسدة، المشكلة تكمن في العودة الإجبارية للاجئين، وليس كما تنافق المعارضة السورية "الائتلاف الوطني" بأنّها عودة طوعية.
ما لم تعمل عليه المعارضة المكرّسة من 2011 تراه الآن أمامها، وهو حماية اللاجئين السوريين عبر الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، وليس استقبالهم كـ "مهاجرين" وأخوة مسلمين من ديار الشرك. إن مسؤولية المعارضة حالياً في رفض سياسة إعادة اللاجئين انطلاقاً من الاتفاقيات الدولية، ورفع دعاوى قضائية أمام المحاكم التركية والدولية لإنصاف حقوق اللاجئين، سيما أن سوريا ما تزال بحالة حربٍ وغير آمنة.
لنتجاوز التحليل أعلاه، إلى أين ستُعيد تركيا اللاجئين؟ هل أمّنت للاجئين في المناطق المذكورة أعلاه عملاً وتعليماً وسكناً لائقاً؛ التقارير تتحدث عن أوضاع سيئة للغاية في المناطق أعلاه، وبالتالي ماذا سيكون مصير الملايين الجديدة وقد عادت إلى "مكة"؟ الحقيقة إنّها لا تعود إلى مدنها الأصلية في كل سوريا، بل تعود إلى مناطق ليست لها، والقضية لا تخصّ عفرين، بل كل المناطق أعلاه. تركيا تريد "توطين" الملايين الجديدة في أراضٍ ليست لهم، وستؤسس بذلك لمشكلات كبرى مستقبلية مع أهالي المناطق، عرباً أو كرداً وسواهم. وبتأسيس ذلك، وبغياب الدولة المركزية في سوريا تصبح المناطق التي تسيطر عليها تركيا خاضعة لها بصورة مستمرة، وهذا شكل جديد من الاحتلال، وهو توسيع للأرضي السورية المحتلة من تركيا منذ عشرينيات القرن العشرين.
بعيداً عن التضخيم بتهجير أهالي عفرين أو تهجير قسد لسكان بلدات عربية في محيط الحسكة، بل وحتى السيطرة على مناطق أغلبيتها عربية في أرياف الحسكة ودير لزور والرقة وحلب من قبل قسد، فإنّ السياسة الواقعية تقتضي من قبل قسد ومسد والائتلاف الوطني والفصائل التابعة لتركيا التقارب، والبحث عن تحالفاتٍ جديدةٍ بين قواها، بما يعطي لهذه القوى قوّةً ويكسبها شعبية، تتيح لها البحث عن سياسة وطنية جديدة، وبالضد من النظام في دمشق، والدول المتدخلة في سوريا، وبدءاً بتركيا وإيران وروسيا وأمريكا، والبحث عن نهاية للمأساة السورية. هذا كان سيكون الرد على الخطوات التركية نحو الاعتراف باستمرار الوضع القائم إلى أمدٍ غير محدود في سوريا، ولكننا ننفخ في قربة مثقوبة، وليس من تقاربٍ بين القوى السورية المعارضة.
إن استمرار قسد بالسيطرة على ثلث سوريا، ومساحات أخرى للفصائل ولهيئة تحرير الشام، وهناك النظام، يعني أن الشعب السوري المهجّر هنا وهناك سيظل ورقة سياسية في يد الدول المحيطة بسوريا وتحت سيطرة قوى الأمر الواقع. فقط الحل السياسي ووفقاً للقرارات الدولية سينصف الشعب السوري المقسم، وسينهي قوى الأمر الواقع، وسيغيّر النظام وليس طبيعته فقط.
إن خطوة أردوغان تجاه اللاجئين، سبقتها تحذيرات للمعارضة بضرورة تغيير مواقفها والتكيّف مع المتغيرات الإقليمية. إن مشاركة المعارضة في لقاء أستانا من 2017 واللجنة الدستورية وسوتشي هي أشكال من ذلك التكيّف، وبخصوص العلاقات الأمنية بين دمشق وأنقرة فأغلب الظن أنها لم تنقطع منذ 2011، وهي الآن بـ "صحة ممتازة" كما يبدو. إن تطبيع أردوغان مع الإمارات والسعودية ومصر، سيعني أمراً واحداً، أن الأوضاع الحالية لن تتغير في سوريا، وإذا تغيّرت فنحو الإبقاء على النظام في دمشق، وبالتالي يتخوّف الباحثون من تقسيمٍ جديد لسوريا، ولأمدٍ غير محدّد. يدعم ذلك حالة العداء الكبير بين روسيا وأمريكا، والاثنتان تمسِكان بالمدخل إلى الحل في سوريا، وبدون التقارب بينهما فإن الوضع السوري في حالةٍ تأزّمٍ مستمر، وتقول الحرب الأوكرانية المستمرة، إن سوريا دخلت حالة طويلة من الاستنقاع والتعفن والموات.
ماذا سيفعل اللاجئون الآن؟ ستحاول قلّة المغامرة بالبحر، سيحاول البعض الهروب داخل تركيا، والأغلبية ستُعاد إلى الداخل السوري. وحينما ستتكدس الملايين سنكون أمام مشكلات مضاعفة جديدة، وليس أولها انتشار المخدرات والارتزاق ضمن مشاريع تركيا الإقليمية؛ المعارضات ليست بوارد التقارب أو الاحتجاج، وقرارها خارجي، وهذا سيشكل عامل ضاغط للقبول بأيّة تسويةٍ مع النظام، وهنا تأتي أهمية التحالف التركي الروسي الإيراني في إطار لقاء أستانا، أو ضمن العلاقات الثنائية بين هذه الدول. هل لدى الائتلاف الوطني وقسد والفصائل التابعة لتركيا وحتى هيئة تحرير الشام إمكانية للانخراط في تسوية إقليمية، بالتأكيد نعم، فهي تابعة وخاضعة، ومن الوهم أن يتصور عاقل سوى ذلك، المشكلة تكمن في بطء تلك التسوية، وفي رفض النظام لها.
تركيا تتجه نحو تصفير المشكلات إقليمياً، وتعمل روسيا على إبقاء الأوضاع كما هي، فهي متورّطة بالحرب في أوكرانيا ولم تعد الحرب هناك نزهة للجنود الروس، وأيضاً أمريكا ليست بوارد العودة الجادة للمنطقة، وهي تعمل على تمكين الدول الأساسية في إقليمنا من السيطرة على شعوب المنطقة، وبالتالي من الطبيعي أن يعيد أردوغان اللاجئين.
اللاجئون وبقية السوريين هم المعنيون بالبحث عن حلول لمشكلاتهم المتفاقمة؛ وهذا دونه تعقيداتٍ لا متناهية. إذا صح التحليل هذا، فسوريا تتجه نحو ترسيخ التقسيم الحالي، وأن المشكلات لن تنتهي بين السوريات هذه، بسبب الخلافات بين الدولة المتدخلة والمحتلة أو لأسبابٍ تتعلق بمحاولة قوى الأمر الواقع التوسع على حساب القوى الأخرى، وهناك داعش، الذي يستعيد ذاته بقوّة في الأشهر الأخيرة، وهذا متصل بخلافات قوية بين الدول المتدخلة، إن داعش شركة استخباراتية بالأصل.
ليفانت – عمار ديوب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!